Saturday, January 06, 2007

رسالة شاب جزائري هارب الى الحرية

مركز البف

«بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أما بعد، نقول لكم بأننا قد حاولنا الهروب من البلدة ولكن للأسف الشديد لم نتمكن من ذلك، البحر هاج علينا بقوة صعبة، تبقون على خير، أنا السيد درقواني لخضر. أمي الحبيبة اتهلاي في روحك (اعتني بنفسك) وأبي كذلك وإخواني وأخواتي. اللهم اغفر لنا وارحمنا يا رب العالمين... آه اللي ما يديرش الراي والله ما راه رابح (من لا يأخذ بالنصيحة ورأي والديه والله لن يفلح). إلى اللقاء يا أمي وأبي، أنتما أغلى ما في الدنيا. وشكراً. أنا آسف».

رسالة اعتذار في زجاجة على الشاطئ كشفت قصته ... دراما «واقعية» لشاب جزائري صارع الأمواج ليهاجر... وانتهى جثة

«زجاجة في عرض البحر»، عنوان فيلم أميركي، يروي قصة حب مؤثرة بين عاشقين جمعتهما «زجاجة ماء» تحمل اعترافات رومانسية عثر عليها أحدهما في عرض البحر، لتبدأ قصة حب جارف انتهت بلوعة فراق أشد عنفاً! سيناريو الفيلم الذي أبكى الملايين ممن شاهدوه عبر العالم، بات اليوم دراما واقعية أبكت بدورها الملايين من الجزائريين الذين استيقظوا هذه الأيام على نبأ مفزع وقصة درامية لشاب جزائري يائس قرر أن يصارع أمواج البحر فاراً إلى الضفة الأخرى من المتوسط، فانتهى به الحال جثة هامدة لا أثر لها، تاركاً وراءه رسالة اعتذار لوالديه خطها في كلمات داخل زجاجة ماء، ورمى بها في عرض البحر.

«بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أما بعد، نقول لكم بأننا قد حاولنا الهروب من البلدة ولكن للأسف الشديد لم نتمكن من ذلك، البحر هاج علينا بقوة صعبة، تبقون على خير، أنا السيد درقواني لخضر. أمي الحبيبة اتهلاي في روحك (اعتني بنفسك) وأبي كذلك وإخواني وأخواتي. اللهم اغفر لنا وارحمنا يا رب العالمين... آه اللي ما يديرش الراي والله ما راه رابح (من لا يأخذ بالنصيحة ورأي والديه والله لن يفلح). إلى اللقاء يا أمي وأبي، أنتما أغلى ما في الدنيا. وشكراً. أنا آسف».

بخط رديء، كتب الشاب لخضر تلك الكلمات باللهجة الجزائرية العامية في ورقة علبة السّجائر ولفها داخل أنبوب أحكم حفظه داخل زجاجة خضراء اللون، قبل لحظات من أن يسلم نفسه للقدر، ملقياً بها في قاع البحر، آملاً أن تتكفل الأمواج في نقل اعتذاراته إلى والديه اللذين لم يسمع نصيحتهما، حينما قرر أن يغامر بحياته في زورق صغير، مغادراً مدينة عين تيموشنت (480 كيلومتراً غرب العاصمة الجزائر)، باتجاه إسبانيا.

ولأن لخضر فشل في تحقيق حلم الهجرة، فإن أمواج البحر حققت له أمنيته، وعثرت مصالح الدرك الوطني على الرسالة – الوصية، على شاطئ الوردانية في ولاية عين تيموشنت. وكانت عبارة «أنا آسف» أكثر إثارة، إذ عمد الشاب «المغامر» أن يؤطرها بقلمه، تعبيراً عن شعور الندم الذي كان يطارده في آخر ثوان تبقت من عمره، لأنه لم ينتصح بوالديه.

سعيد كسال صحافي (مراسل يومية الشروق اليومي الجزائرية) الذي نقل الخبر من عين تيموشنت، ونسخة من الرسالة قال لـ «الحياة» إنه منذ العثور على الرسالة يوم الأحد الماضي، لم يتم التعرف بعد على عائلة الشاب الضحية الذي تحول إلى «قضية وطنية» وحديث كل الجزائريين، على رغم تحقيقات مصالح الأمن.

وتابع سعيد: «لقد تعود الجزائريون أن يفقدوا الأخبار عن عشرات الشباب الذين يهاجرون سراً عبر البحر من منطقتنا القريبة من المياه الإقليمية الإسبانية، والكثير ممن يهاجرون سراً لا تصل أخبارهم بعد ذلك، ولا يعرف أهاليهم إن كانوا نجحوا في الوصول إلى الضفة الأخرى، أو ماتوا غرقاً في عرض البحر، حتى إن بعض العائلات انتظرت سماع أخبار أبنائها شهرين كاملين، ولما يئست أدت صلاة الغائب ترحماً عليهم، وهي لا تدرك إن كانوا لقوا حتفهم فعلاً، أو نجحوا في الوصول إلى بر الأمان، ولكنهم لم يستطيعوا الاتصال بذويهم».

«درقواني لخضر»، واحد من مئات الشباب الجزائريين «الحراقة» الذين يحاولون قطع الحدود براً وبحراً بطرق ملتوية وغير شرعية، في مغامرة تبدأ بمعرفة مافيا التهريب في الموانئ ونقاط العبور عبر الحدود، لتبدأ رحلة محفوفة بالمخاطر نحو عالم «وردي» قد يستغرق الوصول إليه ساعات طويلة يقضيها هؤلاء الشباب في قبو أو مستودع أو حاوية داخل سفن نقل المسافرين والبضائع، أملاً في عبور الحدود. وغالباً ما تنتهي «المغامرة» بالموت إن في عرض البحر لمن اختار منهم الزوارق، أو بين أيدي حراس السفن الذين قد يفضل بعضهم رمي هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين في عرض البحر، لتلتهمهم الحيتان، ما دامت تكلفة العودة بهم إلى الميناء باهظة، وتنتهي بوابل من الأسئلة مع مصالح الأمن والرقابة.

ويُقدِم عشرات الشباب الجزائريين سنوياً على «المقامرة»» بحياتهم في عرض البحر، أملاً في تخطي الحدود نحو عالم يعتقدونه مثالياً في فرنسا وإسبانيا وكندا وإنكلترا، وصوب أي بلد يسمعون أن إجراءات الدخول إليه أكثر سلاسة، والحصول على فرص عمل أكبر، يدفعهم أمل كبير في توديع جحيم البطالة، على رغم أن الجزائر تشهد انتعاشاً اقتصادياً، ولكن سياسة التشغيل لم تنجح كثيراً في إقناع هؤلاء بالعدول عن فكرة الهجرة غير الشرعية، بينما يرى المختصون في علم الاجتماع أن مشاريع التوظيف التي تعلنها الحكومة، لا تعدو أن تكون مجرد مسكنات، كونها لا توفر سوى عدد ضئيل من فرص العمل، وفي فترات متقطعة.

ويتداول الشباب الجزائريون مصطلحات باللهجة العامية من قبيل «الهدة» التي تعني الهجرة، كما باتت الأغاني التي تروج لهذه الفكرة شائعة جداً وخصوصاً من نمط الراي والراب.

وفي حين تحاول السلطات جاهدة إقناع الشباب بأن فكرتهم عن أوروبا خاطئة، من خلال عرض شهادات شباب حاولوا الهجرة، واصطدموا بشبح الموت في عرض البحر، وعرض أشرطة في التلفزيون عن واقع الشباب المهاجرين الى أوروبا والملاحقين باستمرار من أجهزة الأمن، وهاجس البطالة فيها، إلا أن الكثير من الشباب يرددون المثل الجزائري القائل: «أن يأكلنا الحوت، أفضل من أن يأكلنا الدود»، للدلالة على أنهم يفضلون المغامرة في عرض البحر، ولو انتهوا لقمة سائغة في فم الحيتان، على أن يبقوا في بلدهم يكابدون البطالة والفقر.

ويقول يسين (27 سنة) وهو طالب جامعي: «على المسؤولين أن يكفوا عن الضحك على ذقون الشباب، ويدرسوا الأسباب التي تدفع جزائريين في ريعان شبابهم إلى المقامرة بحياتهم». وتابع بلهجة متحسرة: «لا أحد يريد الموت، ولكن حينما تضيق بك الدنيا في بلدك ولا تعثر على وظيفة، وترى أقرانك ممن هاجروا إلى أوروبا ونجحوا في حياتهم، فما من شك أنك ستحلم أن تقتفي آثارهم، وذلك حلم مشروع».

وعلى النقيض تقول حياة الطالبة في معهد للتكوين المهني: «أتفهم ظروف الشباب الذين تدفعهم الحاجة إلى الهجرة، لكن ليس إلى حد المغامرة عبر قوارب في عرض البحر»، مضيفة: «المسؤولية مشتركة، فكثير من شباب اليوم يشترطون وظائف بأجور مغرية، ويرفضون الأعمال الشاقة التي يقوم بها العمال الصينيون مثلاً في العمران، وفي المقابل السلطات عليها أن تكف عن الشعارات الجوفاء من دون تقديم البديل. هناك إشكال لا بد من أن ندرسه بجد، ومن المؤسف أن بلداً غنياً كالجزائر يعيش شبابه هذه الضائقة».

وأحصت مصالح حراس السواحل وفروع المراقبة والإنقاذ خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني (يناير) الى تشرين الأول (اكتوبر) الماضي 532 شخصاً أُنقذوا من الغرق في عرض البحر، بعد تعطل قواربهم أو انقلابها بفعل الأمواج. وسجلت المصالح ذاتها ارتفاعاً مفزعاً لعدد الشباب الجزائريين الذي حاولوا الوصول إلى المياه الإقليمية الإسبانية، إذ بلغ في الفترة نفسها 678، منهم 146 حاولوا الوصول إلى الضفة الأخرى عبر الاختباء في السفن والحاويات.

قصة لخضر التي تناقلتها بعض الصحف الجزائرية في صدر صفحاتها، وكان وقعها قاسياً بما يكفي لتسقط عنها رقابة التلفزيون الرسمي الذي تناولها في أحد البرامج الحوارية، تحولت إلى حديث الشارع، تلوكها ألسنة الجزائريين في المقاهي وداخل البيوت والصالونات. وانفجر نقاش قديم متجدد، وتضاربت الاتهامات مرة أخرى متسائلة: من المسؤول؟

Wednesday, August 30, 2006

اللبنانيون يخسرون كل شيء الا حس الدعابة



بعدما قررت السعودية منح لبنان مبلغ نصف مليار دولار في اطار المساعدات لاعادة الاعمار، امر الرئيس المصري حسني مبارك جيشه باسر ستة جنود اسرائيليين عند الحدود مع الدولة العبرية.


نايلة رزوق من بيروت: تكبد اللبنانيون الكثير من الخسائر على مستوى الارواح البشرية والمقتنيات المادية في الحرب الاخيرة، بيد انهم لم يفقدوا رغم المأساة التي المت بهم، حس النكتة الشهير الذي يتمتعون به.
وساعدت النكات اللبنانيين على الحفاظ على صمودهم خلال الحملة الاسرائيلية الاخيرة، وعلى محاولة تخطي نتائج الحرب المدمرة.
وتطلق النكات المتعلقة بالحرب في كل مكان في الجلسات الخاصة او في رسائل قصيرة عبر الهواتف النقالة وفي البرامج الكوميدية او الرسائل عبر الانترنت او المدونات التي تنشر على الانترنت.
ووسط الانباء المأساوية عن فقدان احباء وتدمير منازل وعمليات النزوح، تطاول النكات جميع الافرقاء من الاسرائيليين الى الاميركيين والعرب. كما يردد اللبنانيون نكاتا يتندرون فيها على اوضاعهم.
احدى هذه النكات تقول ان ثلاثة من مقاتلي حزب الله شوهدوا يخرجون من ضاحية بيروت الجنوبية التي تعرضت لتدمير كبير اثر الغارات الاسرائيلية عليها وهم يرفعون اشارة النصر. بيد انهم لم يقوموا بهذه الحركة للتعبير عن النصر في الحقيقة، بل للاشارة الى ان هناك مبنيين فقط سلما من التدمير.
وتساءل احدى هذه النكات: لماذا ارتفعت اسعار الشقق السكنية في حي عين الرمانة الملاصق للضاحية الجنوبية؟ والجواب: لانها صارت، بعد تدمير الضاحية، مطلة على البحر.
و تساءل اخرى : لماذا تشعر السيدات اللبنانيات الانيقات والمسنات بالسعادة خلال الحرب؟ لانها ارجعتهن 30 عاما الى الوراء.
واخرى: لماذا حاز الامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله جائزة نوبل للتربية؟ لانه الرجل الوحيد الذي تمكن من ارسال مليون شخص الى المدارس في خلال يومين.
بيد ان اللبنانيين يطلقون ايضا نكاتا حول القدرة على مواجهة الالة العسكرية الاسرائيلية.
وفي هذا الاطار، رن هاتف رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت في مكتبه، فرفع السماعة ليكتشف ان ابو العبد، وهو شخصية فولكلورية بيروتية تقليدية، يحادثه من لبنان.
قال ابو العبد لاولمرت "انا ابو العبد من لبنان.اتصل بك لابلغك اننا نعلن الحرب رسميا عليك".
فرد اولمرت "ما هو عديد جيشك؟"
اجاب ابو العبد "حاليا، تطوعت انا ونسيبي مصطفى وجاري ابو خالد وكل الاصدقاء في المقهى. اي اننا ثمانية اشخاص".
قال اولمرت "يجب ان احذرك يا ابو العبد ان عديد جيشي يصل الى مليون جندي استطيع ان احركهم متى شئت".
صمت ابو العبد برهة ثم قال "لا يزال اعلان الحرب قائما يا سيد اولمرت. لقد نجحنا في تدبر امر بعض الاليات الضرورية لتجهيز مشاتنا".
فسأل اولمرت "وما هي هذه التجهيزات يا ابو العبد؟".
فرد ابو العبد "حصلنا على مرسيدس من طراز 180 وجرار زراعي".
اجاب اولمرت "نحن نملك عشرة الاف طائرة قاذفة و20 الف طائرة مقاتلة. مجمعاتنا العسكرية مجهزة باسلحة الليزر وصواريخ ارض جو. ومنذ ان بدأ حديثنا، ضاعفت عديد الجيش الذي بات يبلغ مليوني رجل".
فرد ابو العبد "سيد اولمرت، يجب ان نوقف هذه الحرب".
فسأل اولمرت "لماذا هذا التغيير المفاجئ في الموقف؟".
اجاب ابو عبد "لاننا لن نستطيع تأمين الطعام لمليوني اسير".
وشكل التدمير المنهجي للجسور الذي قامت به اسرائيل عبر غاراتها الجوية مصدر وحي لعدد من النكات ايضا.
هكذا ارسل اولمرت فريقا من الوحدات الخاصة الاسرائيلية لتتوغل في العمق اللبناني في مهمة خاصة تقضي باعتقال اسطورة الغناء اللبنانية فيروز.
اما السبب وراء ذلك فهو اصراره على تدمير الجسر الوحيد الذي لم يدمره بعد، وهو جسر من الخيال الشعري تشير اليه فيروز في اغانيها العاطفية اذ تقول "على جسر اللوزية، تحت اوراق الفيء".
وتشير نكتة اخرى الى رجل سارع الى طبيب الاسنان يرجوه ان ينزع "الجسر" الذي وضعه لمعالجة اسنانه خوفا من ان يقصفه الاسرائيليون.
ولا توفر النكات اللبنانية العرب ايضا.
هكذا تقول احداها انه بعدما قررت السعودية منح لبنان مبلغ نصف مليار دولار في اطار المساعدات لاعادة الاعمار، امر الرئيس المصري حسني مبارك جيشه باسر ستة جنود اسرائيليين عند الحدود مع الدولة العبرية.

أ.ف.ب

------------
بلا حق النشر بلا بطيخ

Saturday, August 19, 2006

كوني بخير بيروت



لن أقول أنني قد أختلف مع حزب الله

ولكنني أعترف أن نصر الله هزمنا جميعا حين هذب لحيته للقاء الصحافيين وربما للقاء أهله وجنوده.. وقد يكون بطلاً وإن تخلى عن حزبه ونصره ليلقى كذلك الله. . ويكتب من الشهداء.

وحين قال كردٍ على تعليق صحفي عن مظهره : أنا في حرب وما كنت أشم هوا.. صار أوسم من هذه الوجوه المغسولة ببول إسرائيلي عالي التركيز، بمستحضرات أمريكية الصنع والرائحة؛ والتي ـ أي الوجوه ـ تصيبنا بالغثيان وتمنحنا تأشيرة مجانية إلى أعالي الخيبة والمذلة بمجرد التفوه بالتحية لتسترسل في كلام لا موقف حقيقي في عباراته المتاخمة لصور التنديد والاستنكار والاستمناء.


-------------

السّاعة قاربت الفجر بالتوقيت المحلي لدولة الاغتراب... العصافير تمارس طقوس احتفال كل فجرٍ جديد، منشدة أغنية الأمل، التي لا تمل من تكرارها...

ترى هل سيشهد أهلي هذا الفجر؟ هل ستحتفل عصافير بلادي، كما هي أقرانها هنا... أم انتهت مهمتها بعد حلول الظلام؟ هل ستستيقظ أمي لتسقي نباتاتها من على شرفة المنزل؟ هل ستحضر قهوة الصباح لترشفها مع والدي؟ هل سيستيقظ أخي ليقبّل وجنة أبي قبل ذهاب الأخير الى عمله؟ وهل ستجلس قطتي على حافة الشرفة لترمق الشارع بنظراتها الحادة؟ ترى هل سأحيا لأرى من أحب، أم علي التمني بأن يحيا الآخرون لأراهم؟ ربما هي حالة الضياع في الأمل لمن لا أمل له...

هو اليوم القدري، يوم مات حلم استمر مذ تأسس هذا البلد الصغير، الذي عرفت قوته من ضعفه، وشموخه من عنفوانه... ترى هل سأحيا لأراك يا لبنان، أم هم أخذوك معهم على دبابادتهم؟ أخذوك الى مكان لا يعود منه من يذهب إليه... لبناني ماذا تبقى منك؟

جسد تلك الطفلة فاطمة التــــي سمتهـــا والدتها تيمناً باسم جدتها الصغرى فاطمة، وجدتها الكبرى فاطمة الزهراء، يرقد بجانب ذاك المبنى الذي لم يتبق منه سوى الذكرى، ذكرى طفلة تلعب، وأم تسقي نباتاتها، وأخ يقبل وجنة والده، وقطة ترمق الشارع بنظراتها... ذكريات لن تعود لأنها انطمرت مع أصحابها... ذهبت الى حيث لا طريق عودة.

جسد فاطمة يحمل ذكرى ابتسامتها الأولى، ممزوجةٍ بابتسامة أمها وأبيها ، يتغامزان، «ما هي الكلمة الأولى التي ستلفظها الحبيبة فاطمة؟» جسدها يحمل ذكرى المشية الأولى، التي كسرت معها أجمل مقتنيات المنزل لوالدتها.. ليتها تعود فاطمة وتكسر المنزل، لكن لتبقى! «فداك يا ابنتي الحبيبة كل مقتنياتي ولو طلبت هذه الروح لاعطيتك إياها!».

لكن فاطمة ذهبت... ذهبت بجريمة لا تعلم عنها سوى أنها «فاطمة» طفلة لبنانية تعيش في الجنوب، حيث يزرع الناس الكرامة فيحصدون الشموخ! حيث ينامون على أنغام القصف ويصحون على مشهد الموت...

مرتديةً فستانها الزهري اللون، تشبه به أميرة لعب الأطفال، «باربي» التي يحلم بها الفقراء ويشتريها الأغنياء، الفستان الذي ظلت أمها تدخر ثمنه تسعة أشهرٍ، مع أجرة الطريق كي تنزل الى المدينة وتشتريه... ذهبت فاطمة بفستانها... ذهبت هي وأميرة خيالها الصغير...

------

اريد احدا ما لأقتله..

ذراعا قوية لنحره من الاذن للأذن

قلبا ميتاً كي لا أتردد لحظة واحدة عن طعنه في القلب... في الروح

مجرد أضحية اغمس كفي بدمها

اريد احدا ما لأرديه حياً..


جاهز لإرتكاب مجزرة إضافية...لأكون عميلا إضافيا... قتيلا، ميتاً، ضحية، شهيداً اضافياً، جاهز لفعل أي شيئ يخلصني من لعنتها، من عجزي عن زمها أو امتداحها، خوفي من التورط في الرثاء المقيت، في التعاطف مع الدم،لست شاهد عيان على الكارثة، ولا نواحة،فقط أريد الاحتماء منها، التحرر من الأصوات، والروائح.... لست أكثر من شاحنة محترقة على حافة طريق، انقاض بيت، جسر، هدف ثابت وسهل لكل الاحزان المسموح بها دوليا،انا بصمة القاتل على الباب والمزهرية والقذيفة، أنا السمك النافق على الشواطىء،والشهوة المستترة بين عاشقين في طوبة ملجاْ رطب،قصة حب تتكون للتو بين جريح وعاملة في الصليب الاحمر، انا محطة كهرباء وخزان وقود، باب حديقة الصنايع، صخب جسر الكولا، قنبلة موقوتة في سيارة حليف.... فلا تطلبو مني اكثر من ذلك، لا تجبروني على قول مالا أريد.....



ناقم عليها هذه التي يلاحقها الخراب كلما نهضت منه.... لبنان ضحية اسمه ومعناه، وكل الحالمين بقضاء اشهر الصيف فيه.... اللعنة على السياح يا بيروت، والدبلوماسيين،و حملة الجوازات الغربية، قوى اذار وشباط ونيسان،ساحة الشهداء وساحة رياض الصلح، الاكثرية، والاقلية، الحقائب الوزارية، مائدة الحوار،والخليجيين،و العمال السوريين، التلفريك، الاقتصاد الحر،الخادمات السرلنكيات، العاهرات الروسيات،الجواسيس، العملاء، المرابع الليلية،الكازينو،التبولة، الكبة النية، الدبكة، اللعنة على اللعنة، وعليّ من قبلهم، ومن بعدهم.

-----

لن أقول أنني قد أختلف مع حزب الله

ولكنني أعترف أن نصر الله هزمنا جميعا حين هذب لحيته للقاء الصحافيين وربما للقاء أهله وجنوده.. وقد يكون بطلاً وإن تخلى عن حزبه ونصره ليلقى كذلك الله. . ويكتب من الشهداء.

وحين قال كردٍ على تعليق صحفي عن مظهره : أنا في حرب وما كنت أشم هوا.. صار أوسم من هذه الوجوه المغسولة ببول إسرائيلي عالي التركيز، بمستحضرات أمريكية الصنع والرائحة؛ والتي ـ أي الوجوه ـ تصيبنا بالغثيان وتمنحنا تأشيرة مجانية إلى أعالي الخيبة والمذلة بمجرد التفوه بالتحية لتسترسل في كلام لا موقف حقيقي في عباراته المتاخمة لصور التنديد والاستنكار والاستمناء.


----

وسأصمت في الأخير

قبل أن أتحول إلى خائن صغير أكثر ما تهزمه.. كلماته الآن


عفواً، ليس الوقت للكتابة

ولا أجد لهذا الذي يحدث قولا مكتملاً

إنها الحياة في بوتقة الموت المستعرة

إنها الحرب.. .


----

مسروق من اكسجين

Monday, March 27, 2006

الخيميائي, پاولو كويلو, لكل إنسان أسطورته


الخيميائي.. واستلهام الأدب البرتغالي للتراث العربي


عرض/ إبراهيم غرايبة
حققت رواية الخيميائي (الكيميائي) للكاتب الروائي البرازيلي باولو كويلو نجاحا عالميا جعل كاتبها من أشهر الكتاب العالميين، ولكن أهم ما يدعو إلى اختيار هذه الرواية لعرضها أنها مستمدة من التراث العربي، وتستلهم الفلسفة العربية الإسلامية في البحث عن السعادة والمغامرة والتفاعل مع الحياة والكون وفهم الناموس العام الذي ينظم ويدير الكائنات والمجرات من أصغرها إلى أعظمها في منظومة موحدة.



ولد باولو كويلو عام 1947 وبدأ حياته الأدبية بالمسرح والشعر وبعد الأربعين من عمره بدأ يكتب الرواية وكانت الخيميائي هي روايته الثانية التي جعلته من أكثر الكتاب المعاصرين قراءة، فقد نشرت مؤلفاته في 150 دولة وترجمت إلى أكثر من خمسين لغة، وبيع منها أكثر من 30 مليون نسخة. ولكن لماذا تأخرت ترجمة روايته إلى العربية أكثر من عشر سنوات برغم أنها تكاد تكون رواية عربية بل هي عربية بالفعل؟
لص وطفل وكلب
في مقدمة الترجمة العربية يبدو كويلو متأثرا بالصوفية الإسلامية ومعجبا بها باعتبارها منهج علم وحياة وفلسفة ويستشهد بالصوفي الذي يدين فيما تعلمه لثلاثة هم لص وطفل وكلب.

أما اللص فقد وجد الصوفي في الشارع بعد عودته من الصحراء في منتصف الليل وكان قد أودع مفتاح بيته عند الجيران ولم يشأ أن يوقظهم في الليل ففتح له اللص الباب فاستضافه الصوفي في بيته شهرا وكان يخرج كل ليلة إلى عمله وكان في كثير من الأيام لا يغنم شيئا ولكنه كان رجلا سعيدا راضيا لا ييأس ويقول دائما لم أوفق بشيء هذا المساء ولكني سأحاول غدا.

وأما الطفل فكان معتكفا في المسجد في الليل وقد أشعل شمعة وخشي المتصوف أن يشعل الطفل النار فقال له: لم تكن هذه الشمعة مشتعلة فقل لي من أين أتيت بالنار؟ فأطفأ الولد الشمعة وقال: فأخبرني ياسيدي أين ذهبت النار؟

وأما الكلب فقد جاء إلى النهر ليشرب فشاهد في الماء كلبا آخر (الصورة) فتراجع وجعل ينبح ثم تقدم مرة أخرى للماء بحذر وبطء ولكنه وجد الكلب المنافس مرة أخرى، وفي النهاية ألقى الكلب بنفسه في الماء متحديا الكلب (الصورة) واختفى غريمه وشرب.

ويقول كويلو إن الثقافة العربية كانت ترافقه معظم أيام حياته تبين له أمورا لم يستطع العالم الذي يعيش فيه أن يفقه معناها.

وفي مقدمته للرواية يورد أسطورة نرسيس الذي تنتسب إليه زهرة النرجس، فقد كان نرسيس يذهب إلى البحيرة كل يوم ليتأمل جمال وجهه، وكان مفتونا بصورته إلى درجة أنه سقط في البحيرة وغرق وفي المكان الذي سقط فيه نبتت زهرة سميت نرسيس (نرجس) وعندما جاءت ربات الغابة إلى البحيرة وجدنها تحولت إلى دموع، ولم يدهشهن هذا فلابد أن البحيرة حزنت كثيرا على نرسيس الجميل الذي كان يأتي إليها كل يوم، ولكن البحيرة قالت إنها لم تلاحظ أبدا أن نرسيس جميل لأنها كانت دائما مشغولة عندما ينحني على ضفافها بتأمل نفسها في عينيه فلا ترى إلا جمالها الخاص.



تدور الرواية حول فتى أندلسي "سانتياغو" تعلم في المدرسة وأحب له والده أن يعمل كاهنا، ولكنه اختار أن يرعى الغنم اعتقادا منه أن ذلك يجعله يسافر ويتحرك في الأرض ويتعلم أكثر ويعرف أناسا وأصدقاء جددا، وكان يقضي وقته أثناء الرعي في قراءة الكتب، كان يلجأ إلى كنيسة مهجورة نبتت فيها شجرة جميز فيترك الغنم ترعى هناك أو يؤويها إلى مبنى الكنيسة ويجلس تحت شجرة الجميز يقرأ أوينام أويتأمل ويناجي نفسه والكون، ويذهب أحيانا إلى مدينة طريف ليبيع بعض أغنامه أو أصوافها، وفي المدينة تعرف على ابنة التاجر الذي كان يبيعه الصوف وتحدثا سويا، وشعر برغبة كبيرة في البقاء في المدينة ليظل قريبا من الفتاة.


لكل إنسان أسطورته
يرى الفتى في المنام حلما تكرر مرتين جعله يهتم بتفسيره، فقد رأى نفسه مع نعاجه حين جاء إليه طفل وأمسك بيده وأخذه إلى أهرامات مصر وأراه مكانا محددا في الأهرام، وقال له ستجد هناك كنزا، فذهب إلى عجوز غجرية في المدينة وحدثها عن حلمه لتفسره، قالت له العجوز إن الأحلام هي لغة الرب فإذا كانت بلغة الناس استطعت تفسيرها ولكن إذا كانت بلغة روحك فلا أحد سواك يستطيع تفسيره، وقالت له إن حلمك يصعب تفسيره، يجب أن تذهب كما طلب منك الطفل ولن آخذ منك الآن مقابل تفسير الحلم ولكن إذا وجدت الكنز أريد أن تدفع لي عشره، وطلبت منه أن يقسم على ذلك.

وفي المدينة يلتقي سانتياغو برجل عربي عجوز قال له إن اسمه ملكي صادق، ووجد أن هذا الرجل يعرف حلمه ويعرف كثيرا من أسراره وخصوصياته التي لا يعرفها أحد سواه، وطلب منه أن يعطيه عشر قطيعه من الأغنام مقابل أن يعلمه كيف يبلغ مكان الكنز المخبوء، ويبيع الفتى سانتياغو خرافه ويعطي الشيخ ما طلبه، ولكنه لم يقدم له مقابل ذلك سوى نصيحة عامة "يجب أن تقرأ الإشارات التي تساعدك على معرفة طريقك" وانتزع من صدرية ذهبية معلقة في رقبته حجرين كريمين يدعى أحدهما أوريم والآخر توميم وقال له يمكن أن تسألهما إذا احتجت وحاول أن تتخذ قراراتك بنفسك، لقد أعطيتني ستة خراف لأني أخبرتك عن أشياء تعرفها ولكني ساعدتك على اتخاذ قرار.


اتبع حلمك
سافر سانتياغو إلى طنجة وتعرض هناك للسرقة وصار في المدينة غريبا لا يملك شيئا، وعرض على صاحب محل لبيع أدوات زجاجية أن ينظف له متجره مقابل طعامه فقال له التاجر: لن تحتاج لذلك حتى تأكل فيجب علينا أن نطعم الغريب والجائع دون مقابل، ولكنه يوافق على تشغيله في المحل مقابل عمولة، ويعمل الفتى ويكسب في عام واحد ما يكفي لشراء قطيع من الغنم يفوق قطيعه الأول بمقدار الضعف، ويفكر في العودة إلى الأندلس ليفتح دكانا في طريف ويتزوج ابنة التاجر التي أحبها، ولكنه يلتقي رجلا انجليزيا سافر منذ عشر سنوات ليتعلم الكيمياء ويريد أن يسافر إلى مصر ليقابل كيميائيا عربيا يقيم في واحة الفيوم استطاع أن يحضر إكسير الحياة الذي يطيل العمر ويحمي من المرض وأن يكتشف حجر الفلاسفة الذي يحول المعادن إلى ذهب، وأقنع سانتياغو بمرافقته إلى مصر لعله يجد كنزه، واشتريا جملين لينضما إلى قافلة كبيرة متجهة إلى مصر.

تعبر القافلة الصحراء ويتعلم سانتياغو أشياء كثيرة، ويتعرف في الليالي عندما يستريح الرجال ويتحلقون حول النار على أشخاص حكماء وشجعان، وتتوطد علاقته بالإنجليزي وإن لم يحب كتبه التي كان يطيل تأملها، وتتحدث عن الزئبق والأملاح.

مكث سانتياغو في واحة الفيوم فترة طويلة بسبب حروب طاحنة تدور في المنطقة بين القبائل جعلت طريق القوافل خطرة ومستحيلة، ولأنه يتقن اللغة العربية فقد استعان به الإنجليزي للبحث عن الكيميائي المقيم في الواحة وفي أثناء البحث تعرف على فتاة اسمها فاطمة وأحبها وقرر أن يبقى في الواحة ليعيش معها.

روح الكون
تدل الإشارات سانتياغو على أن المحاربين سيهاجمون الواحة ويذهب إلى زعيم الواحة ويخبره برؤياه، ويتشاور زعماء الواحة طويلا، وأخيرا يتحدث إليه الزعيم قائلا إنهم يصدقونه لأنه قبل ألفي عام جاء إلى مصر فتى مثلك اسمه يوسف استطاع بتفسيره لحلم الملك أن ينقذ مصر من المجاعة، وبالفعل يهاجم خمسمائة محارب الواحة ولكن أهلها الذين كان من بينهم ألفا فارس محارب كانوا مستعدين لهم فأوقعوهم في كمين وقتلوهم جميعا، وكافأ الزعيم سانتياغو بخمسين قطعة ذهبية وبتعيينه مستشارا.

ويأتي الكيميائي إلى سانتياغو ويتعارفان ويتحدثان طويلا وينصحه بالسفر إلى الأهرام ويتبع حلمه، ولكن الفتى كان يفضل البقاء في الفيوم والزواج من فاطمة والعمل مع الزعيم، فيقول له الكيميائي: إذا لم تتبع حلمك فسوف تفقد أسرارك ولن تظل مستشارا، وتصبح مجرد تاجر في الواحة، ويعتذر سانتياغو بالحرب الدائرة، فيبدي الكيميائي استعداده لمرافقته ومساعدته في الوصول فهو يعرف كما أخبره طرق الصحراء.

ويعترضهم في الطريق محاربون أشداء ملثمون، ويفتشونهما ويجدان مع سانتياغو كمية من الذهب ومع الكيميائي زجاجة تحتوي على سائل أصفر وقطعة زجاجية كأنها بيضة فيسألون الكيميائي فيجيبهما: هذا السائل هو إكسير الحياة الذي يطيل العمر ويحمي من المرض وهذا حجر الفلاسفة الذي يحول المعادن إلى ذهب، فيضحك الرجال كثيرا ويضحك معهم سانتياغو والكيميائي ثم يخلون سبيلهما، فيسأل سانتياغو رفيقه: كيف تخبرهما عن هذا السر العظيم؟ فقال له: لكي أريك قانونا بسيطا من قوانين الكون: عندما نجد أعظم كنوز الدنيا فقد لانتبينها لأننا لا نؤمن بوجودها.

وتعترضهما مجموعة أخرى من المقاتلين وتلاحظ أنهما مرا بمعسكر أعدائهما دون أن يعترضوهما فيقررون أنهما جاسوسان للأعداء، ويقررون قتلهما، ولكن الكيميائي يقنعهم بإطلاق سراحهما مقابل الذهب الذي يحمله سانتياغو وبعد أن يريهما قدرة الفتى الخارقة على التحول إلى رياح عاصفة، ثم يصلان إلى الجيزة وينزلان عند راهب قبطي، وهناك يستريحان ويحول الكيميائي كمية من الرصاص إلى ذهب، وضع الرصاص في قدر وسخنه على النار طويلا ثم مزجه بجزء من حجر الفلاسفة لا يزيد على شعرة وتحول الرصاص إلى ذهب وتركه يبرد ثم قسمه إلى أربعة أجزاء أعطى الأول للراهب والثاني لسانتياغو وأخذ الجزء الثالث وأودع الرابع لدى الراهب ليعطيه إلى سانتياغو إذا احتاج إليه.

ويمضى سانتياغو إلى الأهرام وتبهره بعظمتها وتناسقها، ويتبع الإشارات حتى يهتدي إلى المكان الذي يجب أن يحفر فيه، ويمضى الليل طوله يحفر، وفي الصباح يمر به فرسان ملثمون فيفتشونه ويسألوه ماذا تخبئ ويقتادونه إلى خيمة القائد، ويحدثه بقصته، فيضحك الفارس طويلا، ويقول له هل جئت من إسبانيا وأمضيت سنة تعمل، وسرت في الصحراء من المغرب إلى مصر وتعرضت للسلب مرتين، وكدت تقتل مرات عدة من أجل حلم، لقد حلمت مرتين أن ثمة كنزا في كنيسة مهجورة في قرية إسبانية مدفون تحت شجرة جميز نبتت في أرض الكنيسة يأوي إليها رعاة الغنم لكني لم أتبع حلمي، فلست غبيا إلى هذا الحد لكي أجتاز الصحراء الهائلة لأجل حلم رأيته مرتين، وتركه الفارس وانصرف، وفهم الفتى سانتياغو الإشارة، وعرف أن الملك العجوز والكيميائي والفارس الملثم هم شخص واحد، وأنه ترك له الذهب عند الراهب ليعود إلى إسبانيا، وضحك الراهب عندما رآه يعود من جديد وسأل أما كان يمكنك أن تجنبني ذلك كله، وسمع الريح تجيبه: ولكن لو أخبرتك لما شاهدت الأهرام.

ورجع إلى قريته واستخرج الكنز، كان صندوقا مليئا بقطع ذهبية قديمة وأحجار كريمة وأقنعة ذهبية وتماثيل مرصعة بالماس ومخلفات غزو نسيته البلاد منذ زمن بعيد، لقد وجده في قريته تحت شجرة الجميز كما أخبره الفارس، وهبت ريح شرقية قادمة من أفريقيا لا تحمل رائحة الصحراء ولا التهديد بالغزو، ولكن تحمل أرج عطر يذكره جيدا حين ودع فاطمة في منتصف الليل قبل أن يسافر مغادرا، فابتسم وقال: ها أنذا يا فاطمة، إنني قادم.




المصدر: الجزيرة

Tuesday, February 28, 2006

قطار السعادة

هنا انتظر...محطة القطار
يقولون بأن قطار السعادة سيمر من هنا
سنين و انا امشي على سكة الحديد
لعلي اجد قطار السعادة على سكة الحياة

اسمع صفير قطار من بعيد اكاد اراه
ممزوجا ببكاء طفل يتنفس اولى نفحات الحياة
و يمر القطار كالعاصفة و انا انتظر
يقولون بأن قطار الحياة ابيض كالغيوم

مرة اخرى صفير قطار آخر يكسر صمتي
يقولون بأنه قطارالحب و العشاق
اقف لأراه من بعيد
لونه احمر
صبية صغيرة تلوح لي بيدها و امها تسحبها الى داخل القطار
آه ما اجمل هذالقطار

اذن متى سيصل قطار السعادة؟

صفير قطار آخر على سكة الحديد يكسر صمتي
انه قطار الخلد و صوت الأذان
ازرق كالسماء
يأتيني العجوز, بائع الكبريت
يقول بأن عليه الرحيل على قطار الخلد و يرحل

ها قد اصبحت وحيدا
عيناي قد ملتا من سكة الحديد الطويلة

صفير آخر..انها هي قطار السعادة
ما اجمل الوان العشق و انا على هذالقطار
ارى السعادة بتك اللحظات المفقودة و انا انتظرت لسنوات هباءا
كانت السعادة مخفية بعيون بائع الكبريت العجوز و يدا الصبية الصغيرة
كانت السعادة انا و فكري و عشقي و ربي الذي كان دائما معي

Friday, February 17, 2006

في غفلة من هذا الزمان

في غفلة من هذا الزمان

ري القلوب



في غفلة من هذا الزمان وجدتِ نفسك زوجة بغل لا يملك من الرجولة سوى عضو ذكري..‏‏‏‏

في غفلة أخرى وجدتِ حولك ابنتين، وها أنت تحملينني عسى أن أكون الصبي المنتَظر حتى لا يعيّرك البغل بأم البنات..‏‏‏‏

غفلة ثالثة لزمانك وضعتك في خدمة البيوت وتنظيف درج البنايات..‏‏‏‏

مذ سكنتُ هنا أصبحت شريكا لكِ في سنواتك العشرين.. التي لم تختاري منها شيئاً..‏‏‏‏

كأنني كنت معك عندما أبصرت عيناك النور في أحد بيوت حلب العشوائية.. وأطلقوا عليك اسم أسّون الذي لم تحبيه يوماً ..ولم تعرفي عن معناه سوى أنه اسم جدة "صارت عضامها مكاحل"..‏‏‏‏

وكأنني شاركتك لحظات رعبك الليلي، عندما كان من يسمى والدك يداعبك قبل أن تدرك سنوات عمرك الثمان ماذا يفعل..‏‏‏‏

وكأن أمك كانت تنتظر بلوغك ..لتزوجك بعرسٍ ..سريع ..كئيب.. كمن يغطي على فضيحة..لتعيشي رعباً أبدياً هذه المرة.. يغتصب جسدك ليلا ..ونقودك المغمسة بدمك ودموعك نهاراً..‏‏‏‏

قبل أن أسكنكِ.. وأشاركك روحك وأنفاسك.. لم تأخذي وقفة لتشاهدي كيف يبدأ يومك فجرا .. ..تستقلين الباص تلو الآخر.. حتى محطتك الأخيرة في حلب الجديدة ..الحي الراقي في مدينة المتناقضات الشهباء.. لتبدأي عملك حتى الظهيرة في منزل أم جلال..وتكملي نصف اليوم الآخر في بيت أم فارس.. لتعودي أخيرا الى بيتك الداكن.. وتسرقي ما تبقى من سويعات الليل مع أحلام لن تتحقق.. بعد أن تحضري بناتك من بيت الجارة الحنونة وتطعميهن البقايا "البايتة" من مطبخ البيتين.. ويأخذ منك البغل مبتغاه..‏‏‏‏

وكأنني عشتُ معك يومياتك مع أم جلال الموغلة في حلبيتها وقد هبطت عليها النعمة من حيث لا تدري، مكتنزة بطبقات من شحم ولحم ونكد.. لا تقوى على رفع ساعديها المزدحمين بأساور ذهبية تزداد اصفراراً كلما لوحت لك وأشارت نحوك بأنك مدانة أبداً.‏‏‏‏

وكأنني أكملت معك مساءاتك في بيت أم فارس.. الحنونة والسيدة التي ترى حملك مجرد انتفاخ ليس له بكوب حليب بينما تحضرينه لابنتها الحبلى.‏‏‏‏

هل أنا غير مرئي ؟؟ أم أننا غير مرئيين؟؟ واصلي عملك يا أسّون، أما ابنتها فأي حركة قد تؤذيها.‏‏‏‏

مقارنة بكِ ..ليست بجمالك وأنوثتك ابنة السيدة تلك ..كم تمنيتِ منحهما لزوجها حين أدمى عطره قلبك . . سرقتما الكثير من لقاءات العيون.. والعناقات الخاطفة.. لم لا يكون هو وليف لياليكِ .. بدلا من بغل برائحة عرق منفرة ولعاب مقزز يتجمع دوما على أطراف فمه..‏‏‏‏

لا تليق اشواك ذقنه بشباب جسدك الذي تعطرينه كل ليلة بمنقوع الدريرة العبق.. ولا تستحق يداه أن تداعب شعرا تنعمينه بالبيلون البلدي..‏‏‏‏

تغيّر فيكِ شيء عندما سكنتُ رحمك.. ومنحتني شيئا من روحك ..وشيئا من دمك ..وكلّ ألمك.. وأشياء من ذكرياتك.. منحتك بدوري.. حبا أعمق.. ورفضا أقوى.. أصبحتِ تستمتعين بالسخرية من كل شيء.. بعد أن كان كل شيء يسخر منك..‏‏‏‏

سخرتِ بمتعة كبيرة من والدك ... وبغلك...ومن أم جلال وحلالها وحرامها .. ..وابنة ام فارس ..وأمّك الهاربة.. وكأنك بتّ تعرفين الحقيقة كاملة....آن لك أن تختاري..‏‏‏‏

وكأن ساعتي قد حانت .. لن تتألمي كثيراً ..لأنني شربت ألمك كله .. وأجمل ما يربطني بك كان هذا الحبل .. وسيلتي لأعطيكِ اشارة خلاصك عندما ترينني مخنوقاً به.. لم تستطع داية الحارة أن تفعل شيئاً لانقاذي في تلك الليلة ..فقد أنقذت نفسي من مسح زجاج سيارات الأكابر على اشارات المرور.. .. لا تتأخري علي..‏‏‏‏

وكأني أراك حيث أنا.. تتقاسمين مع البنات علبة حبوب منومة بأكملها.. قرارك ..واختيارك ..لمرة واحدة ..وإن كانت ..أخيرة.......‏‏‏‏

______________________‏‏‏‏

كاتبة وإعلامية من سورية‏‏‏‏

*****‏‏‏‏

خاص بأوكسجين‏‏‏‏

Monday, February 13, 2006

نهر الحياة



نهر الحياة

من مقدمة الكاتب البرازيلي باولو كويلو لسلسلة رواياته المترجمة إلى العربية اقتطف هذه الأقصوصة الرمزية التي تشير إلى أن كلبا أدركه العطش فتوجه إلى النهر ليشرب، لكنه عندما اقترب من حافة النهر، شاهد كلبا آخر فيه، ولم يكن هذا غير انعكاس لصورته في الماء، فدب الفزع في الكلب، وتراجع إلى الوراء، وراح ينبح، باذلا كل ما بوسعه ليبعد الكلب الآخر، ولكن شيئا من هذا لم يحصل. وفي النهاية قرر الكلب، وقد غلبه الظمأ الشديد أن يواجه الوضع، فألقى بنفسه في النهر، وكان أن اختفت الصورة هذه المرة.
بعض مخاوفنا المرضية تمارس ضغوطا على حياتنا أشبه بتلك الضغوط التي مارسها خيال الكلب في الماء، فجل أو كل هذه المخاوف ليس لها وجود حقيقي وإنما هي ظل خيالاتنا المرضية، وهذه المخاوف المرضية غالبا ما تتخذ شكلا مبالغا فيه، فلقد ثبت علميا أن 97 في المائة من مخاوفنا من حدوث أشياء سلبية لنا لا تحدث، وبعبارة أخرى يمكن القول: إن جل هذه المخاوف التي تقلق الكثير من النفوس البشرية، وتسرق النوم من عيونهم هي مجرد أوهام لا تستحق كل هذا القلق والاضطراب والتوتر.

والحل؟!

لا تتردد لحظة.. أقذف بنفسك في نهر الحياة، عش حياتك بالطول والعرض، وستختفي تلك الصور المفزعة، فجل ما تخشى حدوثه لن يحدث.

ارم خوفك على أرصفة الدنيا، واصفع بقدميك الأرض وامش، فالشمس ستشرق غدا، وسيعبر الفرح من تحت النافذة، وحينما تفتح الستائر في الصباح ستجد همومك راحلة.

أضحك حتى ولو سرق قراصنة السعادة جزءا من فرحك.. لملم شظايا خاطرك المكسور، وانصب رأسك سارية لا تنحني للريح.. مزق صفحات خوفك الآن، واغر أمانك بالقدوم، فلك الدنيا وكل الأزمنة، فكيف يضيق بك المكان؟! أو يغتالك الوقت؟!

وتذكر أن متوسط عمر بعض الكائنات الحية لا يتجاوز 24 ساعة، ورغم هذا العمر القصير فإنها تلعب وتمرح وتحلق وتتزاوج وتنجب قبل أن تموت، وأنت تعيش عشرات السنين، فلماذا تظل رهين الخوف والحزن ورعب المجهول وانتظار حدوث الذي لا يحدث؟!

فاستعد سعادتك المسروقة من ركاب الحزن، استرجع أمانك المسلوب من قبضة الخوف، أنبت في دواخلك إيمانا بالقدر يهزم خشية المجهول، وتوكل على الله.

m.diyab@asharqalawsat.com

Sunday, January 29, 2006

أنا صنيعة عالمكم الحجري!





أنا صنيعة عالمكم الحجري!

كريم سامي



لا يوجد أتعس مما أنا فيه، الوحدة لا تعطينا إلا حرية غبية -‏‏

عليّ حيازة حقد أكبر،‏‏

علي نسيان بوذا‏‏

أيتها الجيف النابضة‏‏

أنا صنيعة عالمكم الحجري‏‏

أنا الحقير‏‏

المكدس بالأثم‏‏

أنا نبع اللعنات‏‏

أستاذ الحب‏‏

كاتب الرسائل الغرامية للأصدقاء نظير علبة تبغ‏‏

أنا الذي لا يرقص إلا ثملاً‏‏

أنا الذي لا تعجبة الحياة إلا من خارجها‏‏

أنا المدعو لكافة جلسات الحشيش‏‏

أنا الذي يعد الشاي وحيدا على الدوام‏‏

_ لو تعرفون كم هذا حزين –‏‏

أنا الذي أقتل أصدقائي‏‏

أبعث الوعي في عيونهم الضيقة‏‏

أنا من جعل السمراء تشاركني كراهية العالم في يومين‏‏

أنا الفظ و المتخلف‏‏

أنا الممسوس بالموت‏‏

أنا المطارد من النزيف الداخلي وبلع اللسان‏‏

أنا النائم خائفا من البراكين و الزلازل و القنابل النووية‏‏

أنا الغريب .‏‏

أقرأ أشعاركم المترهلة‏‏

أقرأ الجنس في صفحات أدبكم النسائي بارداً مملاً‏‏

أنا في وطنكن الخرافي حيث لا ينتصر الخير الا في التلفاز .‏‏

أنا شرير، متعجرف، كئيب‏‏

أنز دموعا في الشوارع‏‏

كلمات فرحي تدفع السخيفين للبكاء‏‏

أنا الهائج دائما‏‏

من يرفض نصائح أصدقائة‏‏

ويقول‏‏

الحب تحتها تجوال‏‏

وأحبك المتداولة فتاة ليل‏‏

أنا الذي ينتشي من الانتهاك‏‏

من يرغب في إطالة شعر ابطية حتى يتدلى من أكمام بلوزتة‏‏

انتم و اكثركم حرية .. مؤدلجين‏‏

أنتم في أحزاب شاعرية‏‏

أنتم لستم ضحايا ..طالما قانعين‏‏

الجشع ..تاج العباقرة , تاجي ...........‏‏

( هكذا جرت الملكية لأشيائي ..مؤخرتي , قدمي , يداي .. هكذا فقط )‏‏

تصبحون على عدم أيتها السلالة المنحطة ..

يحدث كثيرا أن تكون غير مرئية


يحدث كثيرا أن تكون غير مرئية

رولا الحسين


يحدث كثيراً أن تعانق كل الأشياء والأشخاص المحيطة، وأن ترقص على الدرج وتغني بصوتٍ عالٍ على الطريق وتبتسم للمارة وتغمز شاباً وسيماً تعلم أنها لن تراه مجدداً، ويحدث أن تجذب بعينيها، وبعينيها فقط، كل من تريد من أطفال ونساء وفتيان ورجال...تسحرهم وراءها من دون أن تلتفت إليهم ثانيةً.‏‏‏

يحدث كثيراً أن تقف أمام المرآة، وتراقب وجهها وتعدّل في تعابيره، فتحذف ما قد يجعلها تبدو بشعة وعدائية وتسرق تعابير جديدة قد تلائم أدواراً وشخصيات مقتنعة تماما بأنها ستؤديها يوما ما، على الاقل أمام مرآة أخرى. كثيرا ما تغني أمام المرآة، تحاول ألا تغلق عينيها خلال الغناء فذلك ليس احترافيا أمام الكاميرا، وتعيد المقاطع مراراً حتى تجيدها أو تنتقل الى أغاني أخرى تعرف أنها تجيدها أكثر وقد تكف عن الغناء بيأس للبحث عن أدوار وتعابير مناسبة.‏‏‏

يحدث كثيراً ألا تستيقظ وأن تشعر بغراء يثبتها على السرير. لا تستيقظ إلا فقط لتتأكد بتلذذ أنه لا يزال لديها متسع من الوقت لتنامه. وكثيراً ما تضبط منبهها في وقت مبكر، فقط لكي تستيقظ وتستمتع بالنوم مجدداً.‏‏‏

سريرها.. مملكة أفكارها ويكفي أن تلقي بنفسها عليه حتى تتحكم بكل الأحداث التي ستأتي، تغيرها وتعيد صياغتها وتبدل ابطالها وخاتماتها حتى يبعدها النوم، فتجهد خلال النهار لتستعيد أحداث ليلتها الفائتة وتحتفظ بما ترغب باستكماله في ليلة لاحقة.‏‏‏

يحدث كثيرا ان يخونها كثيرون...زملاء المصعد الذين يتصرفون لاحقا كأنهم لا يعرفونها رغم أنهم أمضوا أكثر من عشرين ثانية معها في ذلك المكان المليء بالأزرار والأفكار والأسئلة . ينسونها بمجرد ان يغادروا المصعد.‏‏‏

ينساها ركاب الطائرة، أصدقاؤها في الحنين والخوف، يشاركونها الفضاء والنعاس وجزءاً من عطلتهم ومحتويات حقائبهم، ثم ينسونها في المطار نفسه.‏‏‏

عند إشارات السير، يخونها أصدقاؤها في الانتظار. ثوان طويلة يمضونها معها أمام اللون الاحمر، يتشاركون الضجر معاً وأسماء المحلات والإعلانات والموسيقى والنظرات ويختفون مسرعين عند اللون الأخضر.‏‏‏

يحدث كثيراً أن تكون غير مرئية، لا شكل لها ولا ملامح، لا عطر ولا صوت.‏‏‏

يحدث كثيراً أنها لا تريد أن تكون موجودة هناك بالذات، فقط هناك، أو هنا... سيّان.‏‏‏

Sunday, January 22, 2006

ثلاث سنوات - تشيخوف يعرّي البرجوازية الروسية




روايات خالدة..تشيخوف يعرّي البرجوازية الروسية
ثلاث سنوات
تأليف :انطون تشيخوف



تتوازى رواية «ثلاث سنوات» للأديب الروسي انطون تشيخوف مع رواية «أسرة بادنبروك» للكاتب الالماني توماس مان، وان كانت قد كتبت قبلها بستة عشر عاما، ففي رواية «ثلاث سنوات» التي لا تزيد على مئة وثلاثين صفحة، قدم لنا تشيخوف بأسلوبه المركز الاحساس بحتمية الاختلاف بين الاجيال المتعاقبة، وهو نفس الاحساس الذي عالجه توماس مان.




تتركز قصة تشيخوف حول زواج «لابتيف» الابن الاصغر لاحد التجار الاثرياء بابنة طبيب باحدى المدن الصغيرة. والصورة التي يرسمها تشيخوف لثلاث سنوات من زواجهما تتطلع الى الامام والى الوراء، فترينا من اين جاءا وماذا سيصبحان في الايام المقبلة، هما ومن يحيط بهما في بيئة موسكو، فضلا عن بيئة المدينة الاقليمية.


ولد انطون بافلوفيتش تشيخوف في 17 يناير سنة 1860، وكان جده من رقيق الارض، ووصفه تشيخوف بقوله: «كان جدي يتلقى ضربات سياط السادة من النبلاء وكان اصغر موظف في الضيعة يستطيع تحطيم رأسه ومع ذلك كان يقسو في جلد والدنا، وكان والدنا، يقسو في جلدنا». أمضى تشيخوف طفولة تعسة،


ولم يكد يقترب من سن الشباب حتى وجد نفسه مسئولا عن اعالة الاسرة كلها، فضلا عن دفع مصاريف دراسته للطب، فأرهق نفسه في اعطاء الدروس الخصوصية والتأليف. واتاح له عمله بالمستشفيات فرصة الاتصال المباشر بالفلاحين مما وضح اثره في كتاباته، وفي اهتمامه باصلاح احوالهم التعسة.


قام عام 1890 برحلة شاقة الى جزيرة «سخالين» حيث درس احوال المسجونين على الطبيعة وكتب عنهم بحثا ضخما احدث ضجة كبيرة.


كتب اربع مسرحيات وعدة روايات ولكنه يعتبر رائد مدرسة اصيلة في فن القصة القصيرة، اذ وجهها الى تصوير موقف دافيء من الحياة دون اهتمام كبير بالحبكة على العكس من مدرسة «موباسان» الفرنسي. وتوفى في 15 يونيو سنة 1904 وهو في الرابعة والاربعين من عمره.


ان ما يهاجمه تشيخوف في هذه الرواية هو تلك التقاليد القبلية العتيقة التي تتيح لرب الاسرة ان يمارس سلطانه بلا حدود وبأسلوب خال من الانسانية، واذا كان رب الاسرة هنا في بيئة تجارية، فقد سبق لتشيخوف ان قدم في قصص اخرى نماذج لرب الاسرة المتجمعة في البيئة الريفية، وهو في الحالين مثل نموذجي صارخ على ان السلطة غير المحدودة تنتهي دائما الى الفساد.


وأبناء الجيل الحاضر من اسرة لابتيف لم يتصرفوا بسبب ازدياد انتشار الاحساس بالحرية في العالم بشكل عام، كأسلافهم، فهم يعلمون ان ملاك الارض كانوا يجلدون جدهم، وأن جده بدوره كان يجلد اباهم، ولكنهم هم انفسهم لم يستطيعوا ان يحتملوا وقع السياط بسعادة وهم متأكدون ان دورهم آت ليجلدوا ابناءهم وأتباعهم، بل سمم الخوف حياتهم.


لقد حملتهم امهم وهي خائفة. كانت في السابعة عشرة حين زوجوها رجلا في الخامسة والاربعين، فكانت ترتعد لكل التفاتة من رأسه. وكان السوط هو معلم هؤلاء الابناء، وملأهم السأم من صلوات الاسر والكنيسة، وبدأوا يعملون في المتجر منذ سن الثامنة، وحتى حين الحقوا بالمدارس الثانوية ظلو ا يعملون فيه نصف اليوم.


حينما كان لابتيف لا يزال طالبا في الجامعة شجعه صديق له على القيام بمحاولة للاستقلال، فاستأجر مسكنا خاصا به، وقلل نصيبه في العمل بالمتجر الى اقل حد ممكن، وان ظل يتقاضى منه ألفين وخمسمئة روبل في الشهر.


وظل حتى بلغ الرابعة والثلاثين من عمره يعيش في موسكو حياة اعزب مرح مع اصدقاء اذكياء وعشيقة، وسط بيئة ذات ميول فنية واهتمامات موسيقية ووجهة نظر فردية شأن طبقة المثقفين رغم ان دخله الكبير كان يسمح له ان يكون كريما في عطاياه.


لم يكن له دين ولا هدف معين في الحياة، يعيش متنقلا من نزوة الى اخرى، وقد سيطر عليه خوف غامض غريب. وها هو ذا يحب الآن بعنف، ولكن علاقته بـ «جوليا» كانت مسممة منذ البداية بفكرة ترجع الى حد كبير الى انعدام ثقته بنفسه، وخلاصتها انها لم تقبل الزواج منه الا طمعا في ماله، مع ان حقيقة الامر انها تزوجته لتتخلص من ابيها وتعيش في موسكو.


وحينما بدأت تحبه فعلا بعد مرور ثلاث سنوات، كان حبه لها قد مات، وهناك اشارة الى ان مثلث الكبت المألوف في طريقه الى التكوين، بالاشتراك مع اقرب اصدقائه ـ «يارتسيف» ـ الذي يحب جوليا.


وفي هذه الاثناء كان لابتيف قد اصبح رئيس المؤسسة التجارية، ووجد نفسه سجين الثروة التي يمكنها ان تهبه الحرية. «كان مقتنعا بأن الملايين والعمل، اللذين لا يكن لهما اقل حب،


سوف يفسدان حياته، ويصنعان منه عبدا مرة اخرى، والى الابد. وأخذ يتصور كيف سيألف مكانته بالتدريج، وكيف سيتقمص شيئا فشيئا دور مدير المؤسسة، ويجد كل ما فيه من حساسية يتبلد، وتتقدم به السن، ثم في النهاية يموت حقيرا ميتة النكرة الوضيعة المريرة، بعد ان ظل سنوات عذابا لكل من حوله».


كان لابتيف محباً للحياة الاستقلالية التي بحث عنها في مدينة بعيدة عن موسكو فتعرف الى ابنة طبيب تدعى جوليا سيرجيفنا واغرم بها ولكنها لم تكن تحبه لسبب ما.. فاضطر الى التقرب منها بشكل عفوي كأن ينتظرها امام الكنيسة ومن ثم يصطحبها الى المنزل ليجلس مع والدتها المريضة والتي سرعان ما تموت بعد زواج ابنتها من لابتيف ويباع منزلهم


ويهاجر الاخ بينما الطبيب والدها يعيش هو الاخر بطريقة خاصة لا ترضي ابنته فتقرر الزواج من لابتيف الابن الثري لاسرة تجارية تمتلك متجرا في موسكو يديره والده المتعجرف الذي يعامل موظفيه بطريقة فيها عبودية تبدأ من الجلد ولا تنتهي مع طبق واحد يقدمه لهم ويفرض عليهم طريقة صلاتهم وحياتهم الخاصة.


مع مرور بعض الوقت يفقد والد لابتيف بصره وتخف سيطرته على المتجر بينما ينخرط شقيق لابتيف في منظومة فكرية تودي به الى الجنون


ومن ثم الموت فيجد الشاب نفسه مضطرا الى ادارة ملايين الروبلات عبر تجارة لا يفقه منها شيئا لان والده كان ممسكا بكل اموال واحوال المتجر وسجلاته يأتمن عليها بعض اصدقائه من الموظفين المخلصين والذين يستدعيهم لابتيق بعد عمى والده وموت شقيقه ويهددهم باغلاق المتجر اذا لم يطلعوه على اسرار العمل فيرضخون لمطلبه ليبدأ حياة اخرى غير تلك التي عاشها من قبل.


وخلال مرض شقيق زوجها ودخوله المصحة وفقدان والد زوجها بصره تبدأ عملية التحول في حياة جوليا حيث تهتم بالعجوز الاعمى وتقرر ان تقترب من موظفي المتجر للوقوف على احوالهم ومن ثم بدأت بوادر الحب تظهر لزوجها لابتيف ولكن بعد مرور ثلاث سنوات الا ان لابتيف كان قد فقد اي مشاعر عاطفية تجاه زوجته وكأنها تبادلا الادوار فأحبته هي وتوقف هو عن حبها.


لقد اراد تشيخوف عبر هذا الرصد لحياة هذه الاسرة خلال ثلاث سنوات ان يثبت موقفه من البورجوازية التي تحب الهدهدة والمبنية على فلسفة: لتستغرق في النوم برفقة، ولتكسب مالا، ولتحب الرياضة ولتصل مع اصدقائك وسيكون كل شيء على مايرام في هذا العالم والعالم الآخر.


وحيث ان البرجوازية كانت شديدة الهيام بما يسمى بالنماذج الايجابية والروايات ذات النهايات السعيدة فان تشيخوف قدم نمطا انتقاديا لاسرة بورجوازية سرعان ما تفككت وانهارت اخلاقيا واجتماعيا وكان خير مثال على ذلك عمى الاب المتغطرس الذي لم يكن يغادر متجره ابدا الا لشيء جلل وذلك لانه يحب اصدار الاوامر والمكان الوحيد المتاح له فيه ممارسة هذه الغطرسة هو متجره الذي لم ينفعه في اعادة بصره وموت ابنه واستلام لابتيف دفة الامور وهو لا يملك اي دراية تجارية لذلك هدد باغلاق المتجر او الانصياع لاوامره.


وهكذا انصاع الموظفون له وقدموا له الدفاتر والحسابات، وكأنها عملية تعاقب اجيال الغطرسة فقد هددهم بلقمة عيشهم وتلك كانت على الدوام سلاح الاغنياء، ضد الفقراء.


رباب محمد

Friday, December 16, 2005

مجرد حلم ..!


فجأة استيقظ من حلمه .. لم يستيقظ بل هذا ما توقعه ، قام بأعماله الروتينية التي أعتاد عليها حتى باتت جزء ً لا يتجزأ من شخصيته الغريبة ، حلق لحيته .. مّـسد شاربه و رشق بعض الماء على وجهه الشاحب ، أشعل الموقد الصغير و وضع عليه دلة القهوة التي أعاد تسخينها ربما للمرة العاشرة صب في قدحه تلك المياه السوداء ذات الرائحة المنعشة و الطعم اللاذع اللتان لا يستطيع مقاومتهما أبدا ً ، تناول علبة السجائر الملقاة بغير وضع محدد على الطاولة العتيقة التي تنضح بملاين من ذرات الغبار أشعل سيجارته و مضي يحتسى كوبه الوحيد ذاك الكوب الذي لم يعي وظيفة أخرى له في الوجود سوى احتواءه هذا المزيج الأسود ، مضى متثاقلا ً إلى مذياعه الصغير يبحث بين موجاته القليلة عن شيء يصلح للاستماع " كلها أخبار ملفقة معتقة ، على الإنسان أن يبتعد عن نشرات الأخبار أن أراد أن لا يصاب بالشيخوخة مبكرا ً " هذا ما قاله في نفسه ، أقفل مذياعه و مضى إلى التلفاز يبحث عن شيء مسلي لكن شيء لم يرق له ارتدى ملابسه ببروده المعتاد ، بحث في عقله عن مكان يستحق العناء للذهاب إليه قرر أخيرا ً أن يتسكع في الحديقة .. لم يتغير شيء في هذه الحديقة مذ وجدت أشجار السرو تمتد محاولة اقتحام عنان السماء تشيخ على مهلها ، تهرم وهي واقفة بنفس المكان لا تتحرك أو تبدي أدنى رغبة في التغيير بل تستمر في نموها متجاوزة حدود الزمان و المكان .. تلك الأزهار بائسة حقا ً تنمو في الصيف أو الربيع لكنها لا تمكث أكثر من ذلك لأن هذا لا يعنيها هي تبعث البهجة حقا ً لكنها بهجة مؤقتة لا تدوم ، مسّرُة مزيفة تنتهي بانتهاء الحدث المهم و أن كانت لا تعترض أن ترقد على سرير مريض أو ضريح قبر كذلك فهي لا تهتم كونها مجرد أكليل يتوج به العظماء أو قادة الحروب .

لكنه الآن هنا لا يقلقه مصير الأشجار أو الأزهار فكل ما يحتاجه هو أن ينعم ببعض الوقت المسلي أو المفترض به أن يكون مسليا ً ، مضى إلى شجرة البلوط و رقد تحت ظلها .. السماء فوقه تنتشر إلى ما لا نهاية زرقاء رائعة تتخللها بعض السحب البيضاء يختلط هذا المزيج الرائع من الألوان بخضرة العشب من حوله ، لكن الأرض تبدو له ضيقة كرقعة الشطرنج لا تحمل سوى لونين أبيض وأسود أنه أسير نفسه التي باتت تضيق يوما ً بعد يوم ، أنه كهف الروتين المعتم أن حاول أن يخرج منه فقد روحه .. تلك الروح التي استسلمت لعواصف اليأس وضاعت نفسه في معمعة البحث عن بصيص نور وسط بحور لا متناهية من الضباب القاتم الذي يجعل الأمل في رؤية أي نور ضربا ً من المحال .. لا لاشيء إلا أنه يجلس هنالك تحت تلك الشجرة الكبيرة يحاول أن يجد معنى لحياته بين قليل من الأشياء التي تعلمها في حياته ، يقف مجددا ً يبحث عن شيء جديد يقتل به نهاره الطويل يتمشى في الشوارع تائها ً على وجهه يحاول أن يجد شيء يجذب انتباهه أو يعيد إليه قليلا ً من خياله ، أنه يفتقد الأفكار المجنونة هذه الأفكار التي تقلب موازيين حياته رأسا ً على عقب و تصنع لأيامه مذاقا ً آخر يرى خلاله الحياة كما يجب لها أن تكون أو كما تصورها أن تكون .. الناس من حوله لا تقف أو تنتظر أو تحتار بل هي عازمة على المضي في طريقها الذي سلكته سواء أكان يؤدي إلى غاية أم كان طريقا ً مسدود ، لكنه لا يحب أن يفضى به الدرب إلى طريق مسدود لا يحب أن يعود من حيث أتى .

يجلس على صخرة أمام البحر أمواج البحر تبهره لا يعترض طريقها أي شيء تمضى حيث تشاء و قتما تشاء في أسوأ الظروف و أفضلها هي حرة لأنها اختارت أن تكون كذلك ، كم يتمنى أن ينتمي إلى هذا الطود العظيم يوما ً ما ، البحر هو أصدق تعبير عنه هادئ بعض الأحيان لكنه في هدوءه يخفي الكثير.. الكثير من المفاجآت .. خلف هدوءه يكمن الخطر الحقيقي وراء سكونه دوامات من الضياع ، ذلك لأنه لم يصل بعد إلى قاع نفسه لم يتلمس القاع بيديه و يتيقن أن هناك أرض صلبه يعٌـتمد عليها في أعماق نفسه ، وهو الآن أقرب من أي وقت مضى إلى الحقيقة.. حقيقة أن كل ما يدور حوله هو حلم بغيض كالذي يخوضه الآن .

29/1/2003

قلم / فراس خطاب