Sunday, January 29, 2006

يحدث كثيرا أن تكون غير مرئية


يحدث كثيرا أن تكون غير مرئية

رولا الحسين


يحدث كثيراً أن تعانق كل الأشياء والأشخاص المحيطة، وأن ترقص على الدرج وتغني بصوتٍ عالٍ على الطريق وتبتسم للمارة وتغمز شاباً وسيماً تعلم أنها لن تراه مجدداً، ويحدث أن تجذب بعينيها، وبعينيها فقط، كل من تريد من أطفال ونساء وفتيان ورجال...تسحرهم وراءها من دون أن تلتفت إليهم ثانيةً.‏‏‏

يحدث كثيراً أن تقف أمام المرآة، وتراقب وجهها وتعدّل في تعابيره، فتحذف ما قد يجعلها تبدو بشعة وعدائية وتسرق تعابير جديدة قد تلائم أدواراً وشخصيات مقتنعة تماما بأنها ستؤديها يوما ما، على الاقل أمام مرآة أخرى. كثيرا ما تغني أمام المرآة، تحاول ألا تغلق عينيها خلال الغناء فذلك ليس احترافيا أمام الكاميرا، وتعيد المقاطع مراراً حتى تجيدها أو تنتقل الى أغاني أخرى تعرف أنها تجيدها أكثر وقد تكف عن الغناء بيأس للبحث عن أدوار وتعابير مناسبة.‏‏‏

يحدث كثيراً ألا تستيقظ وأن تشعر بغراء يثبتها على السرير. لا تستيقظ إلا فقط لتتأكد بتلذذ أنه لا يزال لديها متسع من الوقت لتنامه. وكثيراً ما تضبط منبهها في وقت مبكر، فقط لكي تستيقظ وتستمتع بالنوم مجدداً.‏‏‏

سريرها.. مملكة أفكارها ويكفي أن تلقي بنفسها عليه حتى تتحكم بكل الأحداث التي ستأتي، تغيرها وتعيد صياغتها وتبدل ابطالها وخاتماتها حتى يبعدها النوم، فتجهد خلال النهار لتستعيد أحداث ليلتها الفائتة وتحتفظ بما ترغب باستكماله في ليلة لاحقة.‏‏‏

يحدث كثيرا ان يخونها كثيرون...زملاء المصعد الذين يتصرفون لاحقا كأنهم لا يعرفونها رغم أنهم أمضوا أكثر من عشرين ثانية معها في ذلك المكان المليء بالأزرار والأفكار والأسئلة . ينسونها بمجرد ان يغادروا المصعد.‏‏‏

ينساها ركاب الطائرة، أصدقاؤها في الحنين والخوف، يشاركونها الفضاء والنعاس وجزءاً من عطلتهم ومحتويات حقائبهم، ثم ينسونها في المطار نفسه.‏‏‏

عند إشارات السير، يخونها أصدقاؤها في الانتظار. ثوان طويلة يمضونها معها أمام اللون الاحمر، يتشاركون الضجر معاً وأسماء المحلات والإعلانات والموسيقى والنظرات ويختفون مسرعين عند اللون الأخضر.‏‏‏

يحدث كثيراً أن تكون غير مرئية، لا شكل لها ولا ملامح، لا عطر ولا صوت.‏‏‏

يحدث كثيراً أنها لا تريد أن تكون موجودة هناك بالذات، فقط هناك، أو هنا... سيّان.‏‏‏

0 Comments:

Post a Comment

<< Home