Friday, February 17, 2006

في غفلة من هذا الزمان

في غفلة من هذا الزمان

ري القلوب



في غفلة من هذا الزمان وجدتِ نفسك زوجة بغل لا يملك من الرجولة سوى عضو ذكري..‏‏‏‏

في غفلة أخرى وجدتِ حولك ابنتين، وها أنت تحملينني عسى أن أكون الصبي المنتَظر حتى لا يعيّرك البغل بأم البنات..‏‏‏‏

غفلة ثالثة لزمانك وضعتك في خدمة البيوت وتنظيف درج البنايات..‏‏‏‏

مذ سكنتُ هنا أصبحت شريكا لكِ في سنواتك العشرين.. التي لم تختاري منها شيئاً..‏‏‏‏

كأنني كنت معك عندما أبصرت عيناك النور في أحد بيوت حلب العشوائية.. وأطلقوا عليك اسم أسّون الذي لم تحبيه يوماً ..ولم تعرفي عن معناه سوى أنه اسم جدة "صارت عضامها مكاحل"..‏‏‏‏

وكأنني شاركتك لحظات رعبك الليلي، عندما كان من يسمى والدك يداعبك قبل أن تدرك سنوات عمرك الثمان ماذا يفعل..‏‏‏‏

وكأن أمك كانت تنتظر بلوغك ..لتزوجك بعرسٍ ..سريع ..كئيب.. كمن يغطي على فضيحة..لتعيشي رعباً أبدياً هذه المرة.. يغتصب جسدك ليلا ..ونقودك المغمسة بدمك ودموعك نهاراً..‏‏‏‏

قبل أن أسكنكِ.. وأشاركك روحك وأنفاسك.. لم تأخذي وقفة لتشاهدي كيف يبدأ يومك فجرا .. ..تستقلين الباص تلو الآخر.. حتى محطتك الأخيرة في حلب الجديدة ..الحي الراقي في مدينة المتناقضات الشهباء.. لتبدأي عملك حتى الظهيرة في منزل أم جلال..وتكملي نصف اليوم الآخر في بيت أم فارس.. لتعودي أخيرا الى بيتك الداكن.. وتسرقي ما تبقى من سويعات الليل مع أحلام لن تتحقق.. بعد أن تحضري بناتك من بيت الجارة الحنونة وتطعميهن البقايا "البايتة" من مطبخ البيتين.. ويأخذ منك البغل مبتغاه..‏‏‏‏

وكأنني عشتُ معك يومياتك مع أم جلال الموغلة في حلبيتها وقد هبطت عليها النعمة من حيث لا تدري، مكتنزة بطبقات من شحم ولحم ونكد.. لا تقوى على رفع ساعديها المزدحمين بأساور ذهبية تزداد اصفراراً كلما لوحت لك وأشارت نحوك بأنك مدانة أبداً.‏‏‏‏

وكأنني أكملت معك مساءاتك في بيت أم فارس.. الحنونة والسيدة التي ترى حملك مجرد انتفاخ ليس له بكوب حليب بينما تحضرينه لابنتها الحبلى.‏‏‏‏

هل أنا غير مرئي ؟؟ أم أننا غير مرئيين؟؟ واصلي عملك يا أسّون، أما ابنتها فأي حركة قد تؤذيها.‏‏‏‏

مقارنة بكِ ..ليست بجمالك وأنوثتك ابنة السيدة تلك ..كم تمنيتِ منحهما لزوجها حين أدمى عطره قلبك . . سرقتما الكثير من لقاءات العيون.. والعناقات الخاطفة.. لم لا يكون هو وليف لياليكِ .. بدلا من بغل برائحة عرق منفرة ولعاب مقزز يتجمع دوما على أطراف فمه..‏‏‏‏

لا تليق اشواك ذقنه بشباب جسدك الذي تعطرينه كل ليلة بمنقوع الدريرة العبق.. ولا تستحق يداه أن تداعب شعرا تنعمينه بالبيلون البلدي..‏‏‏‏

تغيّر فيكِ شيء عندما سكنتُ رحمك.. ومنحتني شيئا من روحك ..وشيئا من دمك ..وكلّ ألمك.. وأشياء من ذكرياتك.. منحتك بدوري.. حبا أعمق.. ورفضا أقوى.. أصبحتِ تستمتعين بالسخرية من كل شيء.. بعد أن كان كل شيء يسخر منك..‏‏‏‏

سخرتِ بمتعة كبيرة من والدك ... وبغلك...ومن أم جلال وحلالها وحرامها .. ..وابنة ام فارس ..وأمّك الهاربة.. وكأنك بتّ تعرفين الحقيقة كاملة....آن لك أن تختاري..‏‏‏‏

وكأن ساعتي قد حانت .. لن تتألمي كثيراً ..لأنني شربت ألمك كله .. وأجمل ما يربطني بك كان هذا الحبل .. وسيلتي لأعطيكِ اشارة خلاصك عندما ترينني مخنوقاً به.. لم تستطع داية الحارة أن تفعل شيئاً لانقاذي في تلك الليلة ..فقد أنقذت نفسي من مسح زجاج سيارات الأكابر على اشارات المرور.. .. لا تتأخري علي..‏‏‏‏

وكأني أراك حيث أنا.. تتقاسمين مع البنات علبة حبوب منومة بأكملها.. قرارك ..واختيارك ..لمرة واحدة ..وإن كانت ..أخيرة.......‏‏‏‏

______________________‏‏‏‏

كاتبة وإعلامية من سورية‏‏‏‏

*****‏‏‏‏

خاص بأوكسجين‏‏‏‏

1 Comments:

Blogger نون النساء said...

فعلا رائعة..

الألم والبأس يكاد يفيض

من بين السطور..!!

.
.

:(

9:31 AM  

Post a Comment

<< Home